:

حُقَن "الدي إن إي" لتسميم جسد الوطن.. !!

top-news

إضاءة الجمعة 17 يونيو

بقلم طه النعمان

* استضاف "مركز طيبة " للإعلام الشهر الماضي باحثين من معهد الأمراض المتوطنة و الأكاديمية السودانية للعلوم ، قدموا من منصته دراسة بعنوان ( مدى اتفاق التنوع الوراثي الوطني مع جغرافيا و تاريخ السودان) يزعمون أنها دراسة تطبيقية على المجموعات و الهجرات البشرية في السودان باستخدام " العلامات الوراثية" عبر  فحوص الحمض النووي (DNA) لدراسة التركيبة الوراثية للمجموعات و علاقتها ببعضها و أصولها و هجراتها.. و لسنا هنا في مقام التعليق على تفاصيل ما ورد في الدراسة بقدر ما تهمنا الخلاصات التي انتهت إليها ، في هذا الظرف الحرج الذي يكتنف مصائر الوطن.. فالدراسة ، كما طالعنا خلاصاتها، حصرت بالمحصلة  أصول أهل السودان جملةً  في الأقوام الأفريقية القحة ، و أسقطت عمداً و بشكل منهجي أي قول بأن للسودان صلة يُعتد بها مع العرب.. خلافاً للحقائق العينية الماثلة التي نعيشها  و نراها تمشي بيننا على الأرض.. و أقلها هذه اللغة التي نكتب بها و نتحدثها ويستخدمها الباحثون أنفسهم باعتبارها وسيلة التواصل الأم، و قطعاً لم يكن لديهم خيارٌ آخرَ سوى اللجوء إليها و هم يقدمون خلاصات أبحاثهم في تلك الندوة بطيبة برس للحضور الناطق بالعربية أصلاً .

* طبعاً غرض الدراسة و مبعثها عنديَ واضحٌ ، فهي جزء من الحملة السياسية - العنصرية المعادية للعرب و المكون العربي في التركيبة الديموغرافية ( السكانية) المتنوعة المتعددة لأهل السودان ، من خلال اضعاف الأصوات التي تقول بأن السودان  "بلد هجين" عربي و أفريقي في آن معاً ، و كأن في ذلك عيب يجب التبرؤ منه ،  و التركيز فقط على العنصر الأفريقي مع نفي جائرٍ  لاعتقاد بعض السودانيين بأن لهم أصولاً عربية و اعتزاز بعضهم "السلبي طبعاً" بذلك كمحفز للاستعلاء  المرذول و ادعاء التفوق الممقوت .  
* و كلمة السر في ذلك هي  فحوص "الدي ان إى" ، الحمض النووي ، و هي البحوث  التي رجحت في أوقات سابقه قديمة " نظرية" أن أصول البشرية جمعاء تعود  الي أفريقيا باعتبارها القارة الأم ، فلا ضير إذن باعتبار الجميع " في الهوا سوا".
* لكن اللافت أن البحوث المنحازة و تدعي العلمية كالتي نتناولها  لا تقف عند القراءة الأهم للتشكُل الديموغرافي الذي تاسس لاحقاً عبر التاريخ و الهجرات الإنسانية التي انتهت إلى صناعة سوداننا الراهن و الذي أصبح على هذا الحال الذي نراه عليه اليوم : تسوده اللغة العربية و الدين الإسلامي، متجاهلة الدراسات التاريخية العلمية المعتمدة من ذات الجامعة " جامعة الخرطوم " انجزها علماء تاريخ فطاحل حول دخول العرب السودان كبروفسير يوسف فضل حسن و آخرين، دراسات مُعتمدة و مُجازة  من قبل جامعات أوربية كبرى عريقة  تؤكد على حقائق تلك الهجرات و أزمان وقوعها.
* دراسات متخصصة تحدد حركة القبائل البدوية العربية الباحثة عن الكلأ و الماء و طلائع جيوش الفتح الاسلامية التى توغلت في السودان و خاضت حروباً في مواجهة الممالك النوبية و وقعت معاهدات صلح موثقة تقف شاهداً على تلك المواقع ( معاهدة البقط مثلاً)..و ترصد كذلك استيطان بعض القبائل و توغلها شرقاً و غرباً في أرض السودان الفسيحة ،و تؤشر  لما وقع لاحقاً من اختلاط و تزاوج مع  السكان المحليين الأفارقة .. الذين تثبت دراسات أخرى أنهم بدورهم قد هاجروا في أوقات سابقة من مواطنهم  الأصلية داخل القارة الأم إلى ديار السودان أو كانوا فيه أصلاً باعتباره و طناً موغل القدم في التاريخ الإنساني.
 * تتجاهل الدراسة عمداً حقائق الواقع المعاش ، ضمن هذه الحملة السياسية/ العنصرية الموجهة و التي تكاد تقول للسودانيين من ذوي الأصول العربية أو الهجينة إنكم تعيشون "وهماً كبيراً" باعتقادكم أن لكم  أصولاً عربية أو صلة بالعرب ..فقد تعلمتم العربية و اهتديتم للإسلام "بالمراسلة " أو حملت كليهما لكم نسمات "الرياح الشمالية- الشرقية" و ليس بشراً من لحم و دم  ، فتعززت لديكم عقيدة زائفة بأنكم من ذوي الأصول العربية خلافاً للذي تؤكده هذه الدراسة العلمية القائمة على بحوث "الدي إن إي" القاطعة لقول كل خطيب !!
* ما أبأس البحوث و الدراسات التي تمتطي سروج العلمية و الحياد الكاذب ، عندما تُوظف انتقائياً لخدمة أغراض الدعاية السياسية ذات التوجهات العنصرية !

هل لديك تعليق؟

لن نقوم بمشاركة عنوان بريدك الالكتروني، من اجل التعليق يجب عليك ملئ الحقول التي امامها *