:

في وداع عشوش زكية يوسف تكتب وداعاً الحليوة

top-news


ماتت عشوش فذبلت الطرقات
عندما كانت محطة الوطن الكبير (عطبرة) تضج بالروائع وكل ماهو جميل ظل ديدن الارواح والخطوات نحوها العناق و التشابي خلال بناء جسور من التواصل النبيل وقد تلتقي وتشابه تجربتي التي خضتها في رحابها مع اخريات لاخرين كانت عطبرة بالنسبة لهم المعدن النفيس الذي لايصدا ولا تغيره غابرات الازمان حيث ظلت دفاتر احوالها بيضاء ناصعة..وقد كنت بمثابة طفلة يعذبها  مجرد ذكر كلمة (الفطام) ومازلت على ذات التشبث وانا اخوض تجربة الانفصال عنها ذلك المصير الذي ظللت اصارعه باستماتة وعناد كلما اطل براسه لاسارع الى ضربه بمعول الرفض القاطع واللهج والدعاء وظل مكمن هواجسي كلما هبت رياح التغيير في ادارتي الام ان يتم شق مسار لي بعيدا عما الفته من وجوه وطرقات وبحمدالله دوما كلما صدقت مخاوفي بددها وشتتها كيفما تفرق وانقشاع السحب المتراكمة لطف وترفق الاقدار بنا فقد كنت صدقا في ذاك الزمان في الحب والتعلق بطيبة الذكر عطبرة من الهشاشة والتداع راكوبة لا تحتمل هزة نسيم دعك من رياح وامطار عاتية..وقد باتت من المشاهد المألوفة واليومية التي تكحل العيون الحليوة (عشوش) وهي تكنس وتعيد ترتيب الشوارع بماتجرجره خلفها من اغراض اثقلت به قيد خطوها و ناء بحمله كاهلها الرقيق وكنت كلما التقيتها وضعت في باطن  جوفي اليقين بان كل مافعلته الحليوة انها قد كومت وبعثرت للعيان ماظللنا نخفيه من شواغل ظلت ترهق البال والخاطر وجعلت منه رفيق لرحلتها بينما اكتفينا نحن بالاخفاء واجادة التماهي مع الاحوال والظروف وتكديس الخردوات ودسها بين الاركان والطيات خوف ان تلتقطها العيون الراصدة وكان من اللافت انه رغم تمشيطها لسوق عطبرة المركزي يحيط بوسطها رباط اوثقت به حبال عقد احمالها الثقال الا انها للحق قد كانت انتقائية جدا في مبادلتها للحديث والكلام ولم اراها يوما تمد يدها كيفما يفعل المتسولون ويقال انها كانت لا تقبل العطايا من الجميع.

وبرفقة اسلام وعالية حيث كانت تلتقي خطواتنا حافر بحافر كنا غالبا ما نعبر بعشوش مما صيرها احدي ملامح الدروب شبه الثابتة وعندما تغيب عن ناظرنا لعدد من الايام المتتابعات كان يجول في خاطرنا ياالله الزولة دي تكون راحت ويييين؟

وبانقلاب الاحوال والزيادة الجنونية التي شهدتها تعرفة تذكرة الذهاب والاياب من والي عطبرة كان لزاما الخضوع والانصياع  لرياح التغيير والقبول عن تسليم ورضا بخيار الذهاب الى مقر عمل قريب من الديار فكان ان تم نقلى الي مفوضية العون الإنساني بالدامر تغمرني وتغرقني مشاعر الصديقة الغالية اسلام وبعض من نبتت بيني وبينهم اواصر محبة صادقة وقد تلمست الصواب في جدوي وخيرة هذا القرار  بضبطي للحليوة عشوش وهي تجوب احدي شوارع الدامر بذات احمالها وبذات هيئتها وبذات الروح التي الفتها هناك ليدثرني الاحساس بالراحة والدفئ فامثال عشوش يجيدون انتقاء الاماكن ويعرفون اين تكمن مروج الانسانيةوكنوزها وجوهرها..  وقد شق على الفؤاد نبا تلقي رحيلها عبر مكالمة هاتفية من الاخت اسلام فعشوش احدي الصور التي ستظل عالقة بالذهن كلما تحسست خطواتنا الدروب والاماكن التي كانت تسلكها وترتادها..

وصادق العزاء لكل من جعلت الحليوة من دكانه ومحله احدي محطاتها المعتمدة ضمن جولاتها المعتادة.

رحم الله الحليوة عشوش وجعلها من زمرة الابرار الطيبين اصحاب الجنة والنعيم.

ولاحول ولاقوة الا بالله العلى العظيم.

هل لديك تعليق؟

لن نقوم بمشاركة عنوان بريدك الالكتروني، من اجل التعليق يجب عليك ملئ الحقول التي امامها *