:

ثم ماذا بعد؟

top-news


 لسان الحال - ثم ماذا بعد؟


د. مصطفى محمد مصطفى


 كان الوعد بينهم ان هذه الحرب لن تستغرق سوى ثلاثة ايام ، وكنا نظن أنها ستدور رحاها حول ساحة الاعتصام حيث ستتم تصفية الحسابات بين الشركاء وهناك يكون دفع ديات الشهداء، شهداء اعتصام الثوار ،وإن تمت توسعة نطاقها فستشمل متاريس الثوار في بري وبعض المناطق التي تمركز واستشهد فيها النبلاء  لتتم إراقة دماء المعتدين كفارة لهم على  دماء المستشهدين، وهكذا خرج اولا سكان الديوم والبراري والعمارات افساحا للمجال ممنين النفس بالعودة خلال ايام معدودات ليجهزوا انفسهم لشروق يوم عيد الفطر،ذهبوا الى الحلة الجديدة والرميلة والكلاكلات، داهمتهم موجة القصف فنزحوا نحو اهلهم في القرى المجاورة ،لحق بهم ابناء الاحياء الاخرى،تبعهم سكان بحري القديمة و ام درمان، وهناك حيث القرى والمدن البعيدة لاحقهم سماسرة الايجار فانفقوا ما حازوا من اموال ،ضاق بهم الاقارب الا القليل ، وعجزوا عن مجاراة الحياة هناك ومشاقها،لم يألفوا المراحيض البلدية والبعوض والعصيدة ونار الحطب ،عاد بعضهم الى العاصمة تحت النيران ،يتهمهم الدعامة بمولاة الجيش والعمالة له فيسحقونهم ويسلبون منهم ماتبقى من رماد، فإذا عبروا ارتكازات الجيش اخضعوهم لتحقيق مرير ،كيف سمح لكم الدعامة بالعبور ؟هل انتم منهم؟ وفي الحالتين انتم متهمين، حتى اذا وصلوا بيوتهم سالمين وجدوا ان ممتلكاتهم قد تم نهبها، بعضها استقر في غرب افريقيا ومنها ما انتقل الى بيت الجيران، جيران يعرفونهم وكانوا يكرمونهم ولايعلمون أنهم كانوا ينتظرون فرصة الانقضاض عليهم حانقين، بعضهم ممن من الله عليه بالابناء المهاجرين خرجوا مغادرين الديار في تصاريح زيارات لايتجاوز مداها الثلاثة اشهر وظنوا انها كافية لحسم الحرب ووعدوا انفسهم بالعودة قبل نفاذها، هناك حيث أن المغتربين يقيمون في شقق كالجحور إجتمع الاباء والامهات والاخوة والاخوات ،والعجزة من الخيلان والخالات ،افترشوا الكنب و الارض حيث يندر استخدام الاسرة وتقاسموا الراتب الشحيح ومازالوا يمنون النفس بالعودة ، وما زالت الحرب مستعرة، وحدهم دعاة الحرب ينعمون بخيراتها في اصقاع الارض،تجارتهم مازالت مستمرة، يصدرون الذهب والابقار والاغنام عن بُعد وابنأءهم يدرسون ويحتفلون بالتخريج في زفات الخريجين واعراسهم في كينيا وتنزانيا وتركيا ، وتستمر الحرب، ويستمر النزوح حتى من الارياف والقرى النائية ، لم يتبقى سوى مشاهدة القنوات الفضائية ليتحدث المستشارين من العاصمة الخرطوم والمسؤولين من الميناء في بورتسودان والاعلاميين من لندن و بروكسل والقاهرة ،وتمتد ساحة الحرب لتبقى ساحة الاعتصام خالية ، ثم ماذا بعد؟

هل لديك تعليق؟

لن نقوم بمشاركة عنوان بريدك الالكتروني، من اجل التعليق يجب عليك ملئ الحقول التي امامها *