:

وش المُلاَح في ثورة ديسمبر

top-news

لسان الحال 


د. مصطفى محمد مصطفى

وش المُلاح بضم الميم وفتح اللام في كلمة (المُلاح) عبارة اطلقها صبيحة هذا اليوم اخي وزميل دفعتي الجامعية الأخ عثمان محمد عبدالله (عثمان الكريمت) في قروب للواتساب، أعجبتني وشدت انتباهي وتمنيتها عنوانا لمقالي حيث انها تدل على الحسن والجاذبية وهي زينة الملاح (الطبيخ)، وقد كانت أمي وما تزال شديدة الاهتمام بوش الملاح فتراها تزيحه جانبا قبل ان تغرف من طبيخها حتى اذا امتلاء الطبق اخذت قليلا من وش الملاح ووزعته في شكل دائري ليشكل قوس قزح على السطح ، وفي هذه اللحظة على وجه التحديد أرى دائما في عينيها علامات الرضا والانبساط. غير ان العبارة تصلح لأن يتم استخدامها عنوانا لملامح ثورة ديسمبر المجيدة التي وإن سطا عليها جوعى السلطة بمغارفهم دون أُوتكيت (ف لخوها لخ) وجعلوا عاليها سافلها وهم لا يكترثون لما فعلوا لا لشئ سوى أنهم ظلاميون لا يعرفون معنى الاستمتاع ولا يتذوقون الطيبات ولم يعتادوا على الحسن والجمال الذي كان من الممكن ان تفرزه لهم (حلة ) الثورة التي علاها وش دهني لامع وديكور من الصلصة التي اتخذت من دماء الشهداء لونا لها ، ومن فوران الشارع السوداني موقدا لإنضاجها ، وفوق ذلك كله كانت كافية لهم جميعا مع ضمان غرفة صغيرة من الوش للتزيين، الا أنهم أبوا .
    ولا أرى بأسا من ربط ذلك بأحداث فلم وثائقي شاهدته في الجزيرة الوثائقية منذ فترة بعيدة حيث رأيت مجموعة كبيرة من القرود التي تنتمي لفصيلة المكاك تجتاح مدينة نيودلهي الهندية وتنشر الفوضى، فتدخل المطابخ من الشبابيك و (تقلب الحِلل) وتخطف الطعام وذات المشهد تذكرته وانا اشاهد منسوبي قوى الحرية والتغيير (الكتلة الديمقراطية) وعلى رأسهم التوم هجو وهم يأكلون الموز بشراهة تجاوزت شراهة تلك القرود ويهتفون (الليلة ما بنرجع الا البيان يطلع) ،واخالهم يهتفون (الليلة مابنرجع الا الطبيخ يطلع) ، وهم ليسوا جياعا ولكنه ترف الشبعى الذين لا يغمض لهم جفن ولا يهدأ لهم بال حتى يرتعون في موائد الفقراء ويتلفون محتواها على فقرها وخلوها الا من ملاح ( ويكة) يعلوه وش يحسدونهم عليه ، وهي دولتنا التي عندما قامت ثورتها لم يكن في خزينتها شيء يحتفى به ، ولم يكن في محتواها الداخلي الا قليلا من اللحم المقدد ( شرموط) وقليل من البصل والبهار وشيئا من الحسن يعلو وجهها ، ومع ذلك حسدوا الثوار على فقرهم وفقر حلتهم فقلبوها لهم . نعم قامت ثورة ديسمبر على انقاض دولة انهكها المفسدون حينما نهبوا خيراتها ودمروا قواعدها الاقتصادية وباعوا أصولها الحيوية خلال ثلاثين عاما من الإدارة السيئة ، والاسواء من ذلك أنهم غيروا من مناهج التفكير فيها وحاولوا ان يخربوا عقول أجيال من أبنائها وإتلاف المعاني السامية والمثل الإنسانية عندهم، ومع ذلك فقد افلتت نخبة من شباب البلاد قادوا الثورة واعطونا املا في إمكانية العودة ومن ثم الانطلاق من جديد، وما يزال هناك بصيصا من الضوء في نهاية النفق نستمده من ذلك (الوش) الذي يعلو ملاح الثورة ، ذلك الملاح الذي رغم اندلاقه على الأرض الا ان (وشه) ما زال لامعا يداعب حبات الرمال بلونه الاحمر الذي يستفز ويقهر أعداء الثورة ومازال يقض مضاجعهم .

هل لديك تعليق؟

لن نقوم بمشاركة عنوان بريدك الالكتروني، من اجل التعليق يجب عليك ملئ الحقول التي امامها *