:

توقعات (٨٢)

top-news

.

 العودة الى القرية بعد خمسة وثلاثون عاما وذكريات الصباء.

دكتور عصام دكين. 

* أبلغ من العمر خمسون عاما لله الحمد والمنة.
* خرجت من قريتنا إلى ادرمان بعد وفاة والدى  الشيخ حامد ودكين فى عام ١٩٨٧م وعدت اليها فى هذا العام ٢٠٢٣م بسبب حرب الخرطوم اعرف ابناء جيلى والذين سبقونى فى الحياة ام الاجيال الحاضرة اتعرف عليهم من خلال الشبه او السؤال المباشر وهم جميعهم يعرفوننى من خلال العمل الاعلامى المشاهد وتحسرت على غيابى وابتعادى عنهم خلال خمسة وثلاثون عاما الا فى حالة حضور مستعجلة اى ساعات كانت غير كافية لجلوس معهم ،
* الان انا مقيم بين اهل قريتي ويعجز قلمى عن وصف احترامهم لشخصى كبيرهم وصغيرهم لهم جزيل الشكر . 
* فى تلك القرية والمنطقة الكبار الذين عاشروا الشيخ حامد ود دكين يذكرون لى كيف كان يقيم بينهم ويقدم الدروس فى الفقة وتلاوة القران ومشاركاته الاجتماعية وتواصلة مع اهل القرية والمنطقة وانا سعيد بتلك الذكرى العطره ،وكنت ايضا فى حالة حوار ونقاش سياسى مع شباب القرية عن الوضع العام فى السودان وحالة الحرب التى نعيشها ومستقبل ومخرج البلاد بشكل يومى ومستمر ومتجدد بتجدد الاحداث.
* كان هنالك حنين وشجون لدار بيتنا وذكريات ابى وأنا عمري 4   أعوام حيث كان أبي هو الأفضل .
و عمري 6   أعوام حيث كان أبي يعرف كل الناس ويقودهم ويجالسهم .وعمري 10 أعوام كان أبي ممتاز ولكنه كان يأتى إلى المدرسين فى المدرسه (الحجاج الابتدائية)ويشكى ابناء القرية الى المدرسين حيث كنا نخرب الزرع ويقوم المدرسين بمعاقبتنا وانا من ضمنهم هنا كان ابى خلقه ضيق وينال سخط تلك الصبية وانا من ضمنهم عندما يعاقبنا الاستاذ حسن حمدان عقابا شديدا.وعمري 12  عاما كان أبي لطيفا  ويحضر لى الحلوة من سوق ود الحداد ومعها اللحم حيث كان يقول والدى عصام ولدى بحب اللحم كما يذكرني بذلك الخليفة الشيخ موسى الشيخ حمدان عندما نلتقى فى المسجد او لزيارتى له فى المسيد المتكرره لانه يذكرنى بعمى الخليفة الرجل الطيب الشيخ حمدان طيب الله ثراه..و عمري 14  عاما كان أبي بدأ يصبح حساسا جدا معى ويجلسنى كثيرا بجواره فى التبروقة لقراءة القران معه ومراجعة الحفظ حيث كان يركز معى على جزء عمة وجزؤ تبارك ولله الحمد والمنه لم يبقى الا هذين الجزءين معى وضاع القران منى بعد موت ابى.وعمري 15 عاما أبي لم يكن  يتماشى مع العصر انذاك فى نظرى حيث ذهب بى إلى مدرسه العمارة الشيخ هجو المتوسطه لمقابلة الاستاذ عوض الله ابراهيم له كل الحب والتقدير والاحترام ودار بينهم حوار طويل وانا انتظر خارج المكتب فكان استاذ عوض الله الرجل الذى له دور كبير فى مسيرة حياتى التعليمية.
*وبعدها توفى أبي وانتقلت الى ام درمان والاقامة مع بقية الاسرة بمدينة الثورة ومع مرور كل يوم كنت احس اننى مكشوف الظهر عديم السند رغم وجود الأشقاء.
*وأنا عمري 20  عاما اكتملت شخصيتى وبداء التفكير فى مسيرة الحياة  بناء المستقبل وانا طالب جامعى وتحمل مسوليتى المباشرة ولكن كانت الغيرة والحسرة على فقدان ابى الشيخ حامد ود دكين كبيرة ومسيطرة على حياتى كيف أصبح دون اب،  ثم تأتى الصدمة الكبرى برحيل والدتى ثم استشهاد احب واقرب الاشقاء الى نفسى جمال دكين قبل وفاة الوالدة بسنتين تماما ضاقت على الدنيا بما رحبت ونسيت الله بل كان احساسى أن الله ليس معى واصبحت هايم فى الدنيا والحزن كان حوالى من كل اتجاه فقدت الأمل وكنت افكر بالخروج من السودان نهائيا ولكن كان ضيق ذات اليد وشقيقاتى الأصغر والأكبر كيف اتركهم فى ام درمان ولكن ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين.  كان اصرار ابى التربوى الصعب معى كنت افكر فيه كيف كانت امى الملين عبدالله محمد تتحمل ابى الجاد فى كل شى. أستغرب كيف استطاعت أمي أن تتحمله وانا الان فى حالة هظار وصداقة مفتوحه مع ابنائي ووالدتهم ليست الحالة التى كنت اعيشها مع ابى وانا فى تلك السن.
* كنت اتمنى ان يكون معى ابى وأنا عمري 25  عاما لأرى كيف يعترض على او يوافق على اختياراتى .وكنت اتمنى وانا عمري 30  عاما كيف اتعايش معه ابا وصديقا وكيف نتفق او نختلف.  هل ياترى تعب جدي من أبي عندما كان طفلا او شابا ؟
*وأنا عمري 50 عاما أبي رباني في هذه الحياة مع كثير من الضوابط والجدية وتحدثنى نفسى لابد أن أفعل نفس الشيء مع أبنائي لكن حنين بنتى الصغيرة وإخوانها واخواتها ليس كما كنت انا فى ذلك الزمان مع ابى كنت لا اجلس بجوار ابى فى العنقريب او على فراشة او انا راقد وأبى جالس لا ثم كلا الان تأتى إلى المنزل وابنك مع الجوال او على التلفزيون او غيره ليس بتلك الهيبة،
وأنا عمري 50 عاما : أنا محتار، كيف استطاع أبي حامد ود دكين أن يربينا جميعا من تلك الزراعة والرعى وانا الان نازح وغير مرتب ومرتبك ولا املك قوت يومى بعد حرب الخرطوم.
وأنا عمري 50  عاما احس من الصعب التحكم في أطفالي وابنائى الذين هم فى طور البلوغ، كم تكبد أبي حامد دكين من عناء لأجل أن يربينا ويحافظ علينا ويخرجنا للزمان وذلك التاريخ الذى افخر به فى منطقتنا.
وأنا عمري 50  عاما ادركت ان أبي كان ذو نظرة بعيدة وخطط لعدة أشياء لنا ، أبي كان مميزا ولطيفا ، وهو الأفضل فى مسيرة حياتى.
جميع ما سبق احتاج إلى 50 عاما لإنهاء الدورة كاملة ليعود إلى نقطة البدء الأولى عند الـ 4 أعوام أبي حامد دكين هو الأفضل والاقوى والأهم.  
*من كان والده حيا فليحسن إليه قبل أن يفوت الأوان ومن كان والده متوفيا فليدع الله أن يغفر له ويرحمه ويسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

هل لديك تعليق؟

لن نقوم بمشاركة عنوان بريدك الالكتروني، من اجل التعليق يجب عليك ملئ الحقول التي امامها *