:

التقليد الاعمى الفاضح

top-news
https://albadeelpress.com//public/frontend/img/post-add/add.jpg

 في الواقع
بقلم :ـ بدرالدين عبدالمعروف الماحى 
ربما لا يعرف كثيرون أن التميز لا يأتي بتقليد الآخرين، ولا في حالة أن ينبهر الإنسان مما يحدث حوله أو يندهش ممن يمشي أمام أبصاره بطريقة جذابة، بل في بعض الأحيان يجب أن يفتح الإنسان عينيه كي يرى الأمور بوضوح أكثر وأدق، ويبحث عن الحقيقة بصدر رحب وينظر الى الجمال من زاوية أخرى ليعثر على الجمال وينبهر من قدرة ربه سبحانه وتعالى في ذاته لذلك يقول الكاتب المعروف أوسكار وايلد: إن معظم الناس هم أناس آخرون، أفكارهم آراء شخص آخر وحياتهم تقليد وعواطفهم !!  وعندما نقول إنه تقليد أعمى اذاً نقصد ان الذي يمارسه لا يرى الجوانب السلبية مما يقوم به من عمل، والشاهد على ذلك مناظر وتصرفات كثيرة من العائدين الى الوطن من بلاد الغرب بثقافاتها المتعددة وتحررها الذي هو بعيد عن تعاليم وضوابط ديننا الحنيف! وقد لفت نظري وانا في صالة الترنزيت بمطار الدوحة مجموعة من الشباب في أعمار وسطية٩ لم أصدق انهم سودانيون إلا عندما اقتربت منهم وسمعت كلمة «يازول ها» فطريقة اللبس الذي يرتدونه والشورتات والشوز بألوانه الصارخة أزعجني وأحزنني، فكنت موقناً تماماً بانه التقليد الأعمى البحت!! نفس الحكاية رأيتها عندما صعدت الطائرة السعودية المتجهة من جدة للخرطوم، فجاورتني فتاة صغيرة في عمر الزهور محتشمة بعباءتها السوداء الجذابة وهي تغادر بلداً مسلماً فيه ضوابط تشديد للأمر بالمعروف، وما ان أعلن كابتن الرحلة عن استعداده للهبوط بمطار الخرطوم حتى نهضت من تجاورني واختفت في حمام الطائرة ولوقت طويل وعادت بشكل غير ما كانت تماماً!! فقد خلعت ما كانت ملزمة به وغير ملتزمة وارتدت لبسا خليعا للغاية ولبست نظارة وكأنها فى حفل تنكرى، وما كان ذلك إلا تقليد اعمى تمارسه امام اعين من يستقبلونها وكأنها تقول لهم اني اتيت من بلاد الفرنجة!! والامم في الغالب تستمدّ هويتها من تراثها الساري في أعماق أبنائها، وأصالتها المتجذرة في قلب التاريخ.. يظهر هذا التراث في العادات والتقاليد التي يتوارثها الأبناء جيلاً بعد جيل، ويتناقلها الخلف عن السلف بحرص واعتزاز، في البداية في العصور القديمة، كان الشباب الأوروبي من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكل هذه البلاد في فترات مجد المسلمين، يأتون إلى الأندلس؛ ليتلقوا العلم على أيدي العلماء المسلمين، وكانت لغة العلم هي اللغة العربية، فكان لزاماً على كل طالب يريد أن يتلقى العلم الحديث، وأحدث ما وصل إليه العلم أن يتعلم أولاً اللغة العربية، فكان الشاب الغربي إذا رجع إلى بلاده يفتخر أمام أقرانه بأنه درس في بلاد المسلمين، ويعتبر هذا من مظاهر المفاخرة العظيمة، لم يقتصر الأمر على مجرد اللغة العربية فحسب، بل حرص الشبان المسيحيون على ارتداء الأزياء التي تميز المسلمين وقلدوهم في عاداتهم. كما تعلم الأوروبيون النظافة من المسلمين وقلدوهم في حرصهم على نظافة بدنهم وأجسادهم.. فهكذا كان حال أوروبا مع المسلمين عندما كانوا حريصين على الاعتزاز بدينهم فقد دانت لهم دول الأرض قاطبة، وإذا تطرقنا لأوجه الاختلاف بين كل من المجتمع الشرقي والغربي في عصرنا هذا، فإننا سنلاحظ أن الاختلاف الرئيس يكمن في أنّ المجتمع الشرقي هو مجتمع غالباً ما يكون إسلامياً، مع وجود بعض الديانات الأخرى المتطبّعة بعض الشيء بالمجتمع الشرقي. أمّا المجتمع الغربي فهو مجتمع مسيحي أو يهودي، مع وجود بعض المسلمين المتطبعين بالمجتمع الغربي. حيث أنّ المجتمع الشرقي تكثر فيه كلمة “ممنوع” على عكس المجتمع الغربي، ولكن كما يقال إن: «كل شيء زاد عن حده نقص» فزيادة المنع والسماح تنتج شيئا واحدا وهو النقص، أمّا بالنسبة لظاهرة تقليد الشباب وهوسهم بالغرب وانبهارهم بهذه القشور الثقافية المتمثلة في اللباس الغربي والإقبال على الموسيقا والفن الغربي بأنواعه المتعددة، وكذلك تقليدهم للغرب بطريقة المأكل والمشرب هذا أمر طبيعي فهذا ما يرونه منهم، وهذا ما سوّقه الإعلام وعرضه فأصبحت هذه هي صورة الغرب المتقدم، أما إيجابيات الغرب فلم يتم عرضها بشكل كبير ومشجع للشباب بحيث يتم تحفيزهم على الاقتداء بها فللإطلاع على إيجابيات الغرب ورؤيتهم من منظور محايد يتطلب الأمر السفر إليهم والاحتكاك المباشر بهم. أمّا التقليد الأعمى للغرب فسببه الغزو الثقافي الذي نجحت فيه الدول الأوروبية، حيث أنهم يصدرون إلينا فكرهم ولا يستوردون منّا، ولذلك فعلينا بالتقليد المدروس الذي يؤول إلى تقليدهم في حبهم للعلم مثلاً، واحترامهم لآراء الآخرين، ومثابرتهم في وضع الأهداف، وما إلى ذلك من جوانب إيجابية، وفي الختام نقول إننا نحن، في بلاد الشرق العربي، علينا أن نتأمل ماضينا، لا لكي نرجع به إلى الوراء، ولا لكي نتقوقع وننعزل عن العالم الذي يجري نحو التقدم والازدهار، وإنما لنأخذ منه حصيلةً حضارية، نعتز بها، ورصيدًا لمسيرتنا إلى الأمام، فإذا استهوتْنا مدنيةُ الغرب، فلا يغرينَّا ما بلغه بعض الغرب من احتقار لتراثنا العريض العريق أو إهماله أو نسيانه ففيه غنًى لا ينضب ولن ينضب

https://albadeelpress.com//public/frontend/img/post-add/add.jpg

هل لديك تعليق؟

لن نقوم بمشاركة عنوان بريدك الالكتروني، من اجل التعليق يجب عليك ملئ الحقول التي امامها *