لسان الحال
كتب : د. مصطفى محمد مصطفى
من الجيد ان يبتدر الكاتب المسلم احاديثه بايات من الذكر الحكيم ولكني لا افعل ذلك ليس لشيء في نفسي ولكن لاني اخشى مما في نفوس الناس الذين ارهقهم التلاعب بدينهم واستخدامه كوسيلة للابتزاز العاطفي والتكسب من وراء ذلك إما بتحييديهم او بتسخيرهم لتحقيق مصالح السادة وقد ظل السودانيين ضحية لهذه الشعارات خلال الثلاثين عام الماضية حتى كادوا بها يكفرون. ومع ذلك ونتيجة لان العدو أفلح في جلب الرداحين وحشدهم وجعلهم يلوون عنق الآيات والاحاديث ليطوعوها لتحقيق مصالحهم من خلال هذه الحرب القذرة فقد وجدت انه من الضروري استخدام هذا السلاح ولكن بحقه ، فحين يقول المولى عز وجل في محكم تنزيله ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) فإن من القى السمع وهو شهيد معناها في معظم التاويلات ان يستمع الى الحديث بأذنيه ويعقله بقلبه ويعمل بموجبه او ان عنده عليه دليل شاهد ومع ذلك فإن الكفار وخاصة اليهود منهم كانوا يستمعون القول ويعلمون انه الحق ثم انه لا يتجاوز اذانهم لانه يتعارض مع مصالحهم، وكذا الحال بالنسبة للحرب التي تدور رحاها في سوداننا الان والتي اسميتها في مقال سابق (بحرب الفجار) فقد علمنا مآلات الحروب ومفاسدها منذ الاستقلال وحتى انفصال الجنوب وخبرنا ويلاتها ونحن الان في قلب التجربة ومع ذلك فما زال البلابسة يدلسون على الناس ويسمونها حرب دينية الميت فيها شهيد رغم ان القاتل والمقتول يكبرون الله ، ومازال البلابسة منها يتكسبون وهم ليسوا موضع اهتمامي فهولاء لن يرعوا لانهم خارج نطاق الألم ولكن خطابي هنا لباقي أبناء شعبي الذين ما زالوا يعتقدون انهم يخوضون حربا اجبرهم عليها العدو وانها كما افتاهم احد الشيوخ بانها حرب (دفع) ويجعلون امامهم الطريق موصدا فلا يوجد سوى خيار واحد وهو القتال حتى فناء احد الطرفين كما قال قائدنا بفناء ال(48) مليون سوداني رغم اننا اقل من ذلك بكثير ، ولو اننا نحارب فعليا من اجل الدين لقلنا (اقسمت يا نفسي لتنزلن) ولكن الواقع هو انهم يتحاربون بينهم من اجل مقاعد السلطة ويستخدمون شعبنا كأدوات لحربهم ومن لم يشارك او التزم الحياد اعتدوا عليه في ماله او في عرضه ليستفذونه ويستنفرونه معهم ومن قال لا للحرب جعلوه بلا كرامه حين اسموا حربهم هذه حرب الكرامة فمن لم يشارك فيها فهو مجرد من الكرامة على حد نهجهم.
هؤلاء الداعمين للحرب والداعين الى استمرارها ليس لهم قدوة لا في عالم الكفار ولا في عالم الموحدين ، نعم ، فمن كان قدوته الاوربيين والامريكان من المسيحين وغيرهم فإن هؤلاء جميعا يوقفون الحروب بينهم متى ما ادركوا انها ستهلك الضرع والزرع ويقدمون مصالح شعوبهم على كراسيهم ويقبلون بالدنيئة في نفوسهم مقابل كرامة وحفظ اوطانهم وايسر ما عنهم هو تقديم استقالاتهم ودونكم كل حروب اوربا في العصر الحديث للنظر والتأمل ، ومن كان قدوته الإسلام فدونكم موقف النبي عليه الصلاة والسلام في بيعة الرضوان التي افضت الى صلح الحديبية وكان النبي علية الصلاة والسلام يدافع عن الدين وليس عن كرسي السلطة ومع ذلك وافق على بنود الصلح التي راى بعض الصحابة ان فيها ظلما للمسلمين حتى قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه قولته المشهورة (ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟، قال ﷺ: بلى، فقال: فَلِمَ نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ ) ركزوا معي (في ديننا) ومع ذلك أمضى النبي الاتفاق.
وبناء على ذلك فالسؤال البديهي أيها الداعين والداعمين للحرب واستمرارها على أي شرع تعتمدون واي نهج تتبنون سوى انكم تحققون ذاتكم وتنتقمون لأنفسكم وتحققون مصالحكم ولو أدى ذلك الى فناء امة بكاملها وما زلتم تدقدقون مشاعر البسطاء بالدين والكرامة والعزة والشرف وأنتم تسوقونهم كل فقدان ما تبقى لهم من ذلك. أوقفوا هذه الحرب الان فلستم اعز من رسولنا ولا أكرم منه ولا أشجع منه ان كنتم به تقتدون.